تعريف اللغة: اختلف العلماء في تعريف اللغة ومفهومها, ولم يتفقوا على مفهوم محدد لها؛ ويرجع سبب كثرة التعريفات وتعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم.
فانتقاء تعريف لها ليس بالعملية اليسيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:الحروف العربية
1. يقول ابن جِنِّي عن اللغة: "أمّا حَدُّها فإنها أصوات يُعَبِّرُ بها كل قوم عن أغراضهم"[1].
2. اللغة: نظام من الرموز الصوتية الاعتباطية يتم بواسطتها التعارف بين أفراد المجتمع، تخضع هذه الأصوات للوصف من حيث المخارج أو الحركات التي يقوم بها جهاز النطق.
ومن حيث الصفات والظواهر الصوتية المصاحبة لهذه الظواهر النطقية[2].
3. ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس[3].
4. صورة من صور التخاطب، سواء كان لفظيًّا أو غير لفظي.
5. يقول (أوتو يسبرسن): اللغة نشاط إنساني يَتَمَثَّل من جانب في مجهود عضلي يقوم به فرد من الأفراد، ومن جانب آخر عملية إدراكية ينفعل بها فرد أو أفراد آخرون.
6. اللغة نظام الأصوات المنطوقة.
7. اللغة معنى موضوع في صوت أو نظام من الرموز الصوتية[4].
8. يقول إدوارد سابيير: اللغة وسيلة إنسانية خالصة, وغير غريزية إطلاقًا؛ لتوصيل الأفكار والأفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية[5].
9. أنطوان ماييه: إن كلمة (اللغة) تعني كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق المستعملة في مجموعة بعينها من بني الإنسان، بصرف النظر عن الكثرة العددية لهذه المجموعة البشرية أو قيمتها من الناحية الحضارية.
10. اللغة نشاط مكتسب تتم بواسطته تبادل الأفكار والعواطف بين شخصين أو بين أفراد جماعة معينة, وهذا النشاط عبارة عن أصوات تستخدم وتستعمل وفق نظم معينة.
واللغة نعمة من الله عزّ وجل للإنسان مثله مثل كل الحيوانات التي تمتلك نظامًا من الرموز والإشارات للتفاهم فيما بينها، فيقال: لغة الحيوان، ولغة الطير، ولغة النبات، قال تعالى: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (النمل: 16).
ولكن لغة الإنسان تتميز بأنها ذات نظام مفتوح، بينما الحيوانات الأخرى نظامها التعارفي نظام مغلق.
[1] ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد علي النجار ، طبعة عالم الكتب، 1/33.
[2] د. خليل أحمد عمايرة: في التحليل اللغوي، مكتبة المنار، ط1، 1987م.
[3] د. جمعة سيد يوسف: سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة، عدد (145)، يناير 1990م، ص51.
[4] السابق نفسه ص56.
[5] الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، سلسلة كتاب (الأمة)، عدد (84)، رجب 1422هـ، ص47.
اللغة العربية
اللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة. ونظرًا لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعدّ أمّ مجموعة من اللغات تُعرف باللغات الأعرابية.
أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب، أو العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية. وعلماء اللغة حديثًا يصنفون كل السلالات اللغوية والعودة بها إلى لغة (أم) أطلقوا عليها (اللغة السامية)، وأول من أطلق هذه التسمية هو العالم النمساوي شولتزر عام 1781م.
وواضح أنها تسمية عنصرية اقتبسها من نص من نصوص التوراة المكتوبة بأيدي الأحبار (العهد القديم) (الإصحاح 10 سفر التكوين)، في ظل تقسيم وهمي للأجناس البشرية مستمد من أبناء نوح وهم: سام وحام ويافث, فكيف ينشأ ثلاثة إخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات؟!اللغة العربية.
السامي والسامية والساميون، تعريف يطلق على التجمعات والكيانات البشرية التي تواجدت في فلسطين وغور الأردن وجنوب العراق وشبه الجزيرة العربية.
باعتبار أن كل هذه المناطق تشكل وحدة جغرافية واحدة, والمعروف أن الجميع جاءوا من شبه الجزيرة العربية، وبالتالي فقد ذهبوا إلى أطراف شبه الجزيرة العربية في هجرات عدة متتالية, وقد استحالت لغة وألسنة هذه الأقوام إلى اللغة العربية واللغة العبرية واللغة السريانية.
والسامية أيضًا هي مصطلح يطلق على كل الشعوب والأمم والقبائل قديمًا وحديثًا مرورًا بالعصور الوسطى التي تنتسب إلى سام بن نوح, ومن المعروف أن التوراة أول من أشار بالنص إلى ذلك التقسيم كما سبق وأسلفنا.
بعض العلماء نسب الصفة العربية إلى مدينة (عربة) في بلاد تهامة, وقيل إنها نسبة إلى يعرب بن يشجب بن قحطان وهو أبو العرب العاربة، أول من تكلم العربية على صورتها المعروفة. وقيل أيضًا أنهم سموا كذلك نسبة إلى فصاحة لسانهم في الإعراب, وقد وردت تسمية (العربية منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد, إذ وردت في نصوص شلمناصر الثالث الآشوري[1]).
والأقوام الذين تكلموا العربية لا يحصي عددهم إلا الله، منهم العرب البائدة: وهم قبائل طسم، وجديس، والعماليق، وأهل الحجر، وقوم هود وصالح عليهما السلام، وغيرهم. وهولاء لم يصل لنا شيء من أخبارهم لا من قريب ولا من بعيد. وهناك العرب العاربة: وهم القحطانيون ومن ينحدر منهم. وأخيرًا العرب المستعربة وهم أبناء إسماعيل العدنانيون.
إن الموروث الكتابي العربي أعمق جذورًا مما يظن حتى الآن، فلو أضفنا إليه موروث الكتابة العربية كما كتبها الأكاديون (بابليون وآشوريون) بالخط المسماري، وما كتبه الكنعانيون على سواحل الشام، وكذلك مخطوطات أوغاريت وتل العمارنة ومخطوطات البحر الميت، لاتّصل تاريخ كتابة العربية ببضع آلاف قبل الميلاد[2].
وتأسيسًا على ذلك فالعرب هم في شبه الجزيرة العربية التي تشتمل على جنوب العراق وجنوب الشام وفلسطين وشبه جزيرة سيناء, والعربية وليدة واقعها المعيش أخذ العرب ألفاظها من الطبيعة المحيطة بهم، فجاءت مفعمة بالصور ومشحونة بالأحاسيس والمشاعر.
[1] د. محمود عبد الحميد أحمد: مهد الإنسان العربي نظرية تحتاج إلى تأصيل، مجلة العربي، عدد (472)، مارس 1998م، ص115.
[2] محمد الأسعد: الكتابة الطينية من الرقم الطينية إلى الحجارة فالورق، مجلة الكويت، عدد (200)، 1/6/2000م، ص46.
العربية لغة مقدسة:
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى, وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى. وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة.المصحف الشريف
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 192- 195). فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلّل الله به مفرق العربية، خصوصًا حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3).
وقال تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت: 3). وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (الزمر: 28). ومن هنا قال حافظ إبراهيم على لسان العربية:
وسعتُ كتاب الله لفظًا وغايةً ... وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ
فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده وآفاقه. إنها لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل، وقد تكفل الله بحفظها ضمنيًّا في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
ومن الطريف ما ذكره محمد الخضر حسين: "كتب (جون فرن) قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثرًا يدل على مبلغ رحلتهم.
فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل جون فرن عن اختياره للغة العربية, قال: إنها لغة المستقبل, ولا شك أنه يموت غيرها, وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه"[1].
وتعدّ اللغة العربية أكبر لغات المجموعة السامية[2] العربي، إضافةً إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال. من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم.
حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة[3] كلغة أم، ويتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن
وللغة العربية أهمية قصوى لدى أتباع الديانة الإسلامية؛ فهي لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن والسنة النبوية، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة.
وبانتشار الإسلام وحضارته ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية.
ويطلق العرب على اللغة العربية لقب لغة الضاد؛ وذلك لأنها الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد. وهي اللغة الرسمية في كل دول العالم العربي، إضافةً إلى كونها لغة رسمية ثانية في دول أخرى، مثل: السنغال، ومالي، وتشاد، وإريتريا. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.
وتحتوي اللغة العربية على 28 حرفًا مكتوبًا، وتكتب من اليمين إلى اليسار بعكس الكثير من لغات العالم، ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
نشأة اللغة العربية:
هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة، أشهرها أربع نظريات:
(1) نظرية التوقيف: قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة, وأبو الحسن الأشعري, والآمدي, وابن فارس، ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31).
وبما جاء في سفر التكوين: "وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة" (الإصحاح الثاني عشر: آية 19، 20).
(2) نظرية المواضعة والاصطلاح: قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الإسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3) نظرية المحاكاة: تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر, وأول من أشار إلى ذلك ابن جِنِّي في الخصائص، ثم قال: "وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"[4]. ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضًا بعد أن ناقش الرأيين السابقين. والأسلم ألاّ ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4) نظرية الغريزة: يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتمًا سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة – كما يرى الإمام الغزالي - فضولٌ لا أصل له، وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن, وهذا التوجُّه من الإمام الغزالي ينسجم تمامًا مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة.
وقد تشعبت مجموعة اللغات السامية من أصل واحد؛ ولما خرج الساميون من مهدهم لتكاثر عددهم اختلفت لغتهم الأولى بالاشتقاق والاختلاط، وزاد هذا الاختلاف انقطاع الصلة وتأثير البيئة وتراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة.
ويقال: إن أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة وتشابه في أثناء القرون الوسطى، ولكن علماء المشرقيات من الأوربيين هم الذين أثبتوا هذه العلاقة بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها ولا شك.
والعلماء يردّون اللغات السامية إلى الآرامية والكنعانية والعربية، كما يردّون اللغات الآرية إلى اللاتينية واليونانية والسنسكريتية. فالآرامية أصل الكلدانية والآشورية والسريانية، والكنعانية مصدر العبرانية والفينيقية.
والعربية تشمل المضَرية الفصحى ولهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن والحبشة. والراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم؛ لأنها بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور والتغير تبعًا لأحوال العمران.
وليس في مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية؛ لأن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب والنماء، والنصوص الحجرية التي أخرجت من بطون الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء؛ وحدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة فوحّدت لهجاتها، وهذّبت كلماتها معلوم بأدلة العقل والنقل، فإن العرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك.
ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب، وهَنات المنطق كعجعجة[5] قُضاعة، وطمطمانية[6] حِمْير، وفحفحة[7] هذيل، وعنعنة[8] تميم، وكشكشة[9] أسد، وقطْعةِ[10] طيئ، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة، وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها[11].
ولغات العرب على تعددها واختلافها إنما ترجع إلى لغتين أصليتين: لغة الشمال ولغة الجنوب، وبين اللغتين بونٌ بعيد في الإعراب والضمائر وأحوال الاشتقاق والتصريف، حتى قال أبو عمرو بن العلاء: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا".
على أن اللغتين وإن اختلفتا لم تكن إحداهم بمعزل عن الأخرى؛ فإن القحطانيين جلوا عن ديارهم بعد سيل العرم[12] وتفرقوا في شمال الجزيرة، واستطاعوا بما لهم من قوة، وبما كانوا عليه من رقي، أن يخضعوا العدنانيين لسلطانهم في العراق والشام، كما أخضعوهم من قبل لسلطانهم في اليمن.
فكان إذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين في الألفاظ، ويجانس بين اللهجتين في المنطق، دون أن تتغلب إحداهما على الأخرى؛ لقوة القحطانيين من جهة، ولاعتصام العدنانيين بالصحراء من جهة أخرى. وتطاول الأمد على هذه الحال حتى القرن السادس للميلاد، فأخذت دولة الحميريين تزول وسلطانهم يزول بتغلب الأحباش على اليمن طورًا.
وتسلُّط الفرس عليه طورًا آخر. وكان العدنانيون حينئذٍ على نقيض هؤلاء تتهيأ لهم أسباب النهضة والألفة والوحدة والاستقلال بفضل الأسواق والحج، ومنافستهم للحميريين والفرس، واختلاطهم بالروم والحبشة من طريق الحرب والتجارة.
ففرضوا لغتهم وأَدبهم على حمير الذليلة المغلوبة، ثم جاء الإسلام فساعد العوامل المتقدمة على محو اللهجات الجنوبية، وذهاب القومية اليمنية؛ فاندثرت لغة حمير وآدابهم وأخبارهم حتى اليوم.
ولم تتغلب لغات الشمال على لغات الجنوب فحسب، وإنما استطاعت كذلك أن تبرأ مما جنته عليها الأمية الهمجية والبداوة من اضطراب المنطق، واختلاف الدلالة، وتعدد الوضع؛ فتغلبت منها لغة قريش على سائر اللغات لأسباب دينية واقتصادية واجتماعية أهمها:
1- الأسواق: وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوُّق، وينتقلون من بعضها إلى بعض، فتدعوهم طبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول، والمفاوضة في الرأي، والمبادهة بالشعر، والمباهاة بالفصاحة.
والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل، فكان من ذلك للعرب معونة على توحيد اللسان والعادة والدين والخلق؛ إذ كان الشاعر أو الخطيب إنما يتوخى الألفاظ العامة والأساليب الشائعة قصدًا إلى إفهام سامعيه، وطمعًا في تكثير مشايعيه. والرواة من ورائه يطيّرون شعره في القبائل، وينشرونه في الأنحاء، فتنتشر معه لهجته وطريقته وفكرته.
وأشهر هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز، وكانت سوق عكاظ أشهر فضلاً، وأقوى أثرًا في تهذيب العربية، وكانت تقوم من هلال ذي القعدة وتستمر إلى العشرين منه، فتفدُ إليها زعماء العرب وأمراء القول للمتاجرة والمنافرة ومفاداة الأسرى وأداء الحج.
وكان كل شريف إنما يحضر سوق ناحيته إلا عكاظ، فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل فج؛ لأنها متوجِّهُهُم إلى الحج، ولأنها تقام في الأشهر الحرم، وذلك - ولا ريب - سر قوتها وسبب شهرتها. وكان مرجعهم في الفصل بينهم إلى محكّمين اتفقوا عليهم، وخضعوا لهم، فكانوا يحكمون لمن وضح بيانه، وفصح لسانه.
2- أثر مكة وعمل قريش: كان لموقع مكة أَثر بالغ في وحدة اللغة ونهضة العرب؛ لأنها كانت في النصف الثاني من القرن السادس محطًّا للقوافل الآتية من الجنوب، تحمل السلع من الهند واليمن، فيبتاعها المكّيون ويصرفونها في أسواق الشام ومصر. وكانت جواد مكة التجارية آمنة لحرمة البيت ومكانة قريش.
فكان تُجّارهم يخرجون بقوافلهم الموقرة وعِيرهم الدَّثْر آمنين، فينزلون الأسواق ويهبطون الآفاق فيستفيدون بسطة في العلم، وقوة في الفهم، وثروة في المال، وخبرة بأمور الحياة.
وهي مع ذلك متجرة للعرب، ومثابة للناس يأتون إليها من كل فج عميق، وعلى كل ضامر ليقضوا مناسكهم ويشتروا مرافقهم مما تنتجه أو تجلبه؛ إضافةً إلى أن قريشًا أهلها وأمراءها كانوا - لمكانتهم من الحضارة وزعماتهم في الحج، ورياستهم في عكاظ، وإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران - أشدَّ الناس بالقبائل ارتباطًا.
وأكثرهم بالشعوب اختلاطًا. كانوا يختلطون بالحبشة في الجنوب، وبالفرس في الشرق، وبالروم في الشمال. ثم كانوا على أثارة من العلم بالكتب المنزلة: باليهودية في يثرب وما جاورها من أرض خيبر وتيماء، وبالنصرانية في الشام ونجران والحيرة؛ فتهيأت لهم بذلك الوسائل لثقافة اللسان والفكر.
ثم سمعوا المناطق المختلفة، وتدبروا المعاني الجديدة، ونقلوا الألفاظ المستحدثة، واختاروا لغتهم من أفصح اللغات، فكانت أعذبها لفظًا، وأبلغها أسلوبًا، وأوسعها مادة، ثم أخذ الشعراء يؤثرونها حتى نزل بها القرآن الكريم، فأتم لها الذيوع والغلبة[13].
[1] محمد الخضر حسين: القياس في اللغة العربية، دار الحداثة، ط2، 1983م، ص12.
[2] السامية نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، وهذه المجموعة هي: البابلية، والآشورية، والعبرانية، والفينيقية، والآرامية، والحبشية.
[3] سكان الدول العربية مجتمعة يصل إلى 422 مليون نسمة (تقرير CIA World Fact book لعام 2005م).
[4] ابن جني: الخصائص 1/47.
[5] العجعجة: قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج، وفي كرسي: كرسج.
[6] الطمطمانية: هي جعل إم بدل أل في التعريف، فيقولون في البر: إمبر، وفي الصيام: إمصيام.
[7] الفحفحة: هي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون: أعل إليه.
[8] العنعنة: هي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان.
[9] الكشكشة: جعل الكاف شينًا، مثل: عليك فيقولونها: عليش.
[10] القطعة: هي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا.
[11] انظر في ذلك: أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة السادسة، 1420هـ/ 2000م.
[12] حدث ذلك سنة 447م، كما حققه غلازر الألماني.
[13] أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي.
وظائف اللغة:
يتفق جمهور علماء اللغة المحدثين على أن وظيفة اللغة هي "التعبير أو التواصل أو التفاهم"، مع أن بعضهم يرفض تقييد وظيفة اللغة بالتعبير أو التواصل؛ فالتواصل إحدى وظائفها إلا أنه ليس الوظيفة الرئيسية.
وقد حاول "هاليداي" halliday تقديم حصر بأهم وظائف اللغة، فتمخضت محاولاته عن الوظائف الآتية:
1) الوظيفة النفعية (الوسيلية):
وهذه الوظيفة هي التي يطلق عليها "أنا أريد"، فاللغة تسمح لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يشبعوا حاجاتهم، وأن يعبروا عن رغباتهم.
2) الوظيفة التنظيمية:
وهي تعرف باسم وظيفة "افعل كذا، ولا تفعل كذا" من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يتحكم في سلوك الآخرين لتنفيذ المطالب أو النهي، وكذا اللافتات التي نقرؤها، وما تحمل من توجيهات وإرشادات.
3) الوظيفة التفاعلية:
وهي وظيفة "أنا وأنت" تستخدم اللغة للتفاعل مع الآخرين في العالم الاجتماعي باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع الفكاك من أسر جماعته, فنستخدم اللغة في المناسبات, والاحترام, والتأدب مع الآخرين.
4) الوظيفة الشخصية:
من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يعبر عن رُؤَاه الفريدة, ومشاعره واتجاهاته نحو موضوعات كثيرة, وبالتالي يثبت هويته وكيانه الشخصي، ويقدِّم أفكاره للآخرين.
5) الوظيفة الاستكشافية:
وهي التي تسمى الوظيفة "الاستفهامية" بمعنى أنه يسأل عن الجوانب التي لا يعرفها في البيئة المحيطة به حتى يستكمل النقص عن هذه البيئة.
6) الوظيفة التخيلية:
تتمثل فيما ينسجه من أشعار في قوالب لغوية، كما يستخدمها الإنسان للترويح, أو لشحذ الهمة والتغلب على صعوبة العمل, وإضفاء روح الجماعة, كما هو الحال في الأغاني والأهازيج الشعبية.
7) الوظيفة الإخبارية (الإعلامية):
باللغة يستطيع الفرد أن يتقل معلومات جديدة ومتنوعة إلى أقرانه, بل ينقل المعلومات والخبرات إلى الأجيال المتعاقبة, وإلى أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية، خصوصًا بعد الثورة التكنولوجية الهائلة. ويمكن أن تمتد هذه الوظيفة لتصبح وظيفة تأثيرية إقناعية؛ لحث الجمهور على الإقبال على سلعة معينة، أو العدول عن نمط سلوكي غير محبّب.
8) الوظيفة الرمزية:
يرى البعض أن ألفاظ اللغة تمثل رموزًا تشير إلى الموجودات في العالم الخارجي, وبالتالي فإن اللغة تخدم كوظيفة رموزية[1].
واللغة كالكائن الحيّ، تنمو وتترعرع وتشب وتشيخ، وقد تموت إذا لم تتوفر لها عوامل الديمومة والاستمرار, مرهونة في ذلك بتنوع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية، فعندما يتطور المجتمع حضاريًّا وإنتاجيًّا تتطور اللغة، والعكس.
[1] د. جمعة سيد يوسف: سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة، عدد (145)، يناير 1990م، ص22 وما بعدها بتصرف.
تطور اللغة العربية:
ظلَّت العربية تُكتَب غير مُعْجَمة (غير منقوطة) حتى منتصف القرن الأول الهجري، كما ظلَّت تُكتَب غير مشكولة بالحركات والسَّكنات؛ فحين دخل أهل الأمصار في الإسلام واختلط العرب بهم، ظََهَرَ اللَّحْن على الألسنة، وخيف على القرآن الكريم أن يتطرَّق إليه ذلك اللَّحْن.
وحينئذٍ توصَّل أبو الأسود الدُّؤَليُّ إلى طريقة لضَبْط كلمات المصحف، فوَضَع بلَوْن مخالِف من المِداد نُقْطة فوق الحرف للدَّلالة على الفتحة، ونُقْطة تحته للدَّلالة على الكسرة، ونُقْطةً عن شِماله للدَّلالة على الضَّمَّة، ونقطتين فوقه أو تحته أو عن شِماله للدَّلالة على التَّنوين، وتَرَكَ الحرف السَّاكن خاليًا من النَّقْط، إلا أن هذا الضبط لم يكن يُستعمل إلا في المصحف.
وفي القرن الثاني الهجري وضع الخليل بن أحمد طريقة أخرى، بأن جعل للفتحة ألفًا صغيرة مُضطجِعة فوق الحرف، وللكسرة ياءً صغيرة تحته، وللضمَّة واوًا صغيرة فوقه، وكان يُكرِّر الحرف الصغير في حالة التنوين، ثم تطوَّرت هذه الطريقة إلى ما هو شائع اليوم.
أما إعجام الحروف (تنقيطها) فتمَّ في زمن عبد الملك بن مروان، وقام به نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يَعْمُر العَدْواني، كما قاما بترتيب الحروف هجائيًّا حسب ما هو شائع اليوم، وتركا الترتيب الأبجدي القديم (أبجد هوَّز).
وخَطَت العربية خطواتها الأولى نحو العالمية في الثلث الأخير من القرن الأول الهجري، وذلك حين أخذت تنتقل مع الإسلام إلى المناطق المحيطة بالجزيرة العربية. وفي تلك الأمصار أصبحت العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصبح استخدامها دليلاً على الرُّقي والمكانة الاجتماعية. وظلَّت لغة البادية حتى القرن الثاني الهجري الحُجَّة عند كلِّ اختلاف.
وكان من دواعي الفخر للعربي القدرة على التحدُّث بالعربية الفصحى كأحد أبناء البادية. أما سُكان الأمصار الإسلامية، فقد بدأت صلتهم بلغاتهم الأصلية تضعف شيئًا فشيئًا، وأخذ بعضهم يتكلَّم عربية مُوَلَّدة متأثِّرة باللغات الأم.
وقد كانت منطقة الشام أُولى المناطق تعرُّبًا. ويُلاحَظ اختلاف لهجات أهل الأمصار في العربية تبعًا لاختلاف القبائل العربية الوافدة، ومن هنا كان اختلاف لهجات الكوفة والبصرة والشام والعراق ومصر بعضها عن بعض.
وقبيل نهاية العصر الأُموي، بدأت العربية تدخل مجال التأليف العلمي بعد أن كان تراثها مقصورًا على شِعْر وأمثال يجري على ألسنة الرُّواة.
العربية في العصر العباسي:
شهد العصر العباسي الأول مرحلة ازدهار الحضارة الإسلامية في مشرق العالم الإسلامي وفي مغربه وفي الأندلس، وبدأت تلك المرحلة بالترجمة، وخاصة من اليونانية والفارسية، ثم الاستيعاب وتطويع اللغة، ثم دخلت طَوْر التأليف والابتكار.
ولم يَعُد معجم لغة البادية قادرًا وحده على التعبير عن معاني تلك الحضارة، فحمل العلماء على عاتقهم مهمَّة تعريب مصطلحات غير عربية، وتوليد صيغ لمصطلحات أخرى، وتحميل صيغ عربية دلالات جديدة؛ لتؤدِّي معاني أرادوا التعبير عنها. وبهذا استطاعت العربية التعبير عن أدقِّ المعاني في علوم تلك الحضارة الشامخة وآدابها.
وفي مطلع ذلك العصر بدأ التأليف في تعليم العربية، فدخلت العربية مرحلة تعلُّمها بطريق الكتاب، وكان هذا هو الأساس الذي قام عليه صَرْح العلوم اللغوية، كالنحو والصرف والأصوات وفقه اللغة والبلاغة والمعاجم.
وعلى الرغم من انقسام العالم الإسلامي إلى دويلات في العصر العباسي الثاني، واتخاذ لغات أخرى للإدارة كالفارسية والتُّركية، فإن اللغة العربية بقيت لغةً للعلوم والآداب، ونَمَت الحركة الثقافية والعلمية في حواضر متعدِّدة، كالقاهرة وحَلَب والقيروان وقرطبة
العربية في العصر الحديث:
حين ضَعُفَ شأن المسلمين والعرب منذ القرن السادس عشر الميلادي، وتعرَّضت بلادهم للهجمات الاستعمارية، رأى المستعمرون أن أفضل وسيلة لِهَدْم تماسُك المسلمين والعرب هي هَدْم وَحْدة الدِّين واللغة، وقد حاولوا هَدْم وحدة اللغة بإحلال اللهجات العامية محلَّ العربية الفصيحة.
وبدأت تلك الدَّعوة في أوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، فأخذ دعاتهم يروِّجون لفكرة كتابة العلوم باللغة التي يتكلَّمها عامة الناس، وطَفِقَ بعضُهم يضع قواعد للهجة أبناء القاهرة، واقترح آخرون كتابة العربية الفصيحة بالحروف اللاتينية، إلا أن كلَّ تلك الدَّعوات أخفقَت إخفاقًا تامًّا!!
ولكن كان من آثار تلك الهجمات الاستعمارية ضَعْفُ شأن العربية في بعض البلاد العربية، وخاصة دول الشمال الإفريقي، واتخاذ اللغات الأوربية وسيلة لدراسة العلوم والفنون الحديثة، فيما يُعرف بمدارس اللغات وفي أغلب الجامعات.
وقد بدأت في البلاد العربية حركة نشِطة للتعريب تتمثَّل في اتجاهين: الأول تعريب لغة الكتابة والتخاطب في بلاد الشمال الإفريقي، والثاني تعريب لغة العلوم والفنون على مستوى البلاد العربية كلِّها. وقد نجحت في الاتِّجاه الأخير سوريا والعراق.
وأحرزت بلاد عربية أخرى بعض النجاح. وتحدو القائمين بالجهد في هذا الاتجاه الثِّقة بأن العربية التي وَسعَت الحضارة الإسلامية في الماضي لن تكون عاجزة عن أن تَسَعَ الحضارة الحديثة.
والعربية الفصيحة اليوم هي لغة الكتابة، وتُستخدم لغةً للحديث في المحافل العلمية والأدبية، وفي الإذاعة والتلفاز، وأحيانًا في المسرحيات والأفلام، ولها سحْرٌ عجيب إذا صَدَرَتْ عمَّن يجيدها. أمَّا لغة التخاطب العامي فلهجاتٌ عديدة في العالم العربي، لكن اللغة العربية الفصيحة - مع ذلك - مفهومة فهمًا تامًّا في كلِّ أنحاء العالم العربي[1].
[1] انظر: خالد بن سلطان بن عبد العزيز: موسوعة مقاتل من الصحراء، الإصدار التاسع 2008م، اللغات، ملحق اللغة العربية، الرابط:
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/MElmiah12/logat/mol15.doc_cvt.htm
المستشرقون واللغة العربية
أثناء الاستعمار العسكري لبلاد العرب حاول المستشرقون الغربيون إحكام مخططهم فبدءوا يدعون إلى هجر العربية، وإحياء اللهجات، ومن أشهر هؤلاء المستشرقين وأهمهم:
لويس ماسينيون كان من أشد الدعاة إلى إحياء اللهجات المحلية وإحلالها محل الفصحى.
دلمـور القاضي الإنجليزي, عاش في مصر وألّف عام 1902م كتابا أسماه (لغة القاهرة).
ويليام ويلكوكس دعا عام 1926م إلى هجر العربية, وترجم الإنجيل إلى اللهجة المصرية، يقول: "إن العامل الأكبر في فَقْد قوة الاختراع لدى المصريين، هو استخدامهم اللغة العربية الفصحى في القراءة والكتابة". وما يزال أحد الشوارع في حي (الزمالك) بالقاهرة يحمل اسمه.
دنلوب قسيس إنجليزي ومبشِّر خبيث وعاتٍ، عيِّن في 17 مارس 1897م سكرتيرًا عامًّا لوزارة المعارف، وكان أول ما فعله هو تفريغ الطلبة من ماضيها المتدفق المرتبط بالعربية، وإثارة القومية الفرعونية البائدة، فجعلهم في حيرة بين انتماءَيْنِ: الثقافة العربية الإسلامية، والانتماء أرنولد توينبيإلى الفرعونية لغة الأجداد الكفار. وهذا الذي لا تزال تسير عليه مصر في فكرها ولبسها، والإعلام المصري خير شاهد على ذلك.
أرنولد توينبي هاجم العربية ورآها لغة دينية لا تصلح إلا للطقوس الدينية فقط كالصلاة والدعاء، شأنها شأن العبرية لغة الكتاب المقدّس.
سبيتا مستشرق ألماني دعا عام 1880م إلى العامية بدل الفصحى.
غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، يقول: "ما دام هذا القرآن موجودًا فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان".
هاملتون جب يقول: "إن الغرض من الجهود المبذولة لحمل المسلمين على الحضارة الغربية هو تفتيت حضارة الإسلام، وتغيير خصائصها جذريًّا عن طريق التعليم، والإعلام، والثقافة".
كيمون مستشرق فرنسي له (باثولوجيا الإسلام) قال: "أعتقد أن من الواجب إبادة خُمْس المسلمين، والحكم على الباقين بالأعمال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر".
جولد زيهر مستشرق يهودي مجري من أخطر المستشرقين، وأشدهم هجومًا، وهو عضو بارز من محرري دائرة المعارف الإسلامية، ولد 1850م، ومات عام 1921م، درس في مدارس اللغات برلين، ليبزج، فيينا، رحل إلى سوريا عام 1873م، تتلمذ على يد الشيخ طاهر الجزائري، ثم رحل إلى مصر حتى تضلّع في العربية، له دراسات في القرآن والحديث وعلومه، والفقه وأصوله, آراؤه عفنة، وبحوثه مسمومة، وهجومه عنيف على المقررات العلمية الثابتة.
يوسف شاخت أحد محرري دائرة المعارف الإسلامية، له كتب في الفقه أشهرها (أصول الفقه الإسلامي).
عطية سوريال مصري الوطن، مسيحي العقيدة، شديد الحقد على الإسلام. كان أستاذًا بجامعة الإسكندرية.
فيليب حتي لبناني مسيحي، كان أستاذًا بقسم الدراسات الشرقية، كبير الدهاء، واسع الحيل والمكر، يخفي حقده على الإسلام بالتظاهر بالدفاع عن القضايا العربية، كان مشرفًا على الدراسات التي يقدمها الطلاب في التاريخ الإسلامي، واللغات الشرقية.
اللورد كرومر له كتاب (مصر الحديثة)، وكتاب (لغة القاهرة), جعل لغة التعليم الرسمية هي الإنجليزية, وقد أشار حافظ إبراهيم إلى محاربة كرومر للعربية بقوله:
قضيتَ على أم اللغات وإنه ... قضاءٌ علينا أو سبيل إلى الردى
هوارد ويلس رئيس سابق للجامعة الأمريكية ببيروت، يقول: "التعليم في جامعتنا ومدارسنا هو الطريق الصحيح لزلزلة عقائد المسلم، وانتزاعه من قبضة الإسلام". ولقد وصل فعلاً خريجو الجامعة الأمريكية ممن غسلت أدمغتهم إلى المناصب القيادية في أكثر البلاد العربية.
خصائص اللغة العربية:
- الأصوات:
تتميَّز العربية بما يمكن تسميته مركز الجاذبية في نظام النُّطق، كما تتميَّز بأصوات الإطباق؛ فهي تستخدم الأعضاء الخلفية من جهاز النُّطق أكثر من غيرها من اللغات، فتوظِّف جذْر اللسان وأقصاه والحنجرة والحَلْق واللَّهاة توظيفًا أساسيًّا؛ ولذلك فهي تحتوي على مجموعة كاملة لا وجود لها في أيِّ لغة سامية.
فضلاً عن لغات العالم، وهي مجموعة أصوات الإطباق: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء والقاف، ومجموعة الأصوات الخلفية، وتشمل الصَّوتين الجِذْريَّيْن الحَلْقيَّيْن: الحاء والعين، والصَّوت القصي الطَّبقي: الغين، والصَّوت القصي اللهوي: القاف، والصَّوت الحنجري: الهمزة.
2- المفردات:
يُعَدُّ مُعجم العربية أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها (الثروة اللفظية)؛ إذْ تضُمُّ المعاجم العربية الكبيرة أكثر من مليون مفردة. وحَصْرُ تلك المفردات لا يكون بحَصْر مواد المعجم؛ ذلك لأن العربية لغة اشتقاق.
والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مُجرَّد جذْر، والجِذْر الواحد تتفرَّع منه مفردات عديدة، فالجذْر (ع ود) مثلاً تتفرَّع منه المفردات: عادَ، وأعادَ، وعوَّدَ، وعاودَ، واعْتادَ، وتَعوَّدَ، واستعادَ، وعَوْد، وعُود، وعَوْدة، وعِيد، ومَعَاد، وعِيادَة، وعادة، ومُعاوَدَة، وإعادة، وتَعْوِيد، واعتِياد، وتَعَوُّد، واسْتِعَادَة، وعَادِيّ. يُضاف إليها قائمة أخرى بالأسماء المشتقَّة من بعض تلك المفردات، وكلُّ مفردة تؤدِّي معنًى مختلفًا عن غيرها.
والعربيةتتطوَّر كسائر اللغات؛ فقد أُميتَتْ مفردات منها واندثرت، وأُضيفَتْ إليها مفردات مُولَّدة ومُعَرَّبة ودخيلة، وقامت مجامع اللغة العربية بجهد كبير في تعريب الكثير من مصطلحات الحضارة الحديثة، ونجحت في إضافتها إلى المعجم المستَخدَم، مثل: سيَّارة، وقطار، وطائرة، وبرقيَّة، وغير ذلك.
3- التلفُّظ والتهجِّي:
تتكوَّن الألفباء العربية من 28 حرفًا، فضلاً عن ألف المدِّ، وكان ترتيب تلك الحروف قديمًا أبجديًّا على النحو الآتي: أبجد هوَّز حطِّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ؛ وتُكتب لغات كثيرة في العالم بالحروف العربية، مع استبعاد أحرف وإضافة أخرى، منها:
الفارسية، والأُردية، والبَشْتُو، ولغة الملايو، والهَوْسا، والفُلانيَّة، والكانوري. وكانت التُّركيَّة والسَّواحيليَّة والصُّوماليَّة تُكتَب إلى عهد قريب بالحروف العربية.
وتعتمد العربية على ضَبْط الكلمة بالشَّكْل الكامل لتؤدِّي معنًى محدَّدًا؛ فالكلمات: عَلِمَ، وعُلِم، وعَلَّمَ، وعِلْمٌ، وعَلَمٌ، هذه الكلمات كلها مُتَّفِقة في التَّهجِّي، مختلفة في التَّلفُّظ والمعنى، إلا أن مُجيد العربية يمكنه أن يفهم معنى الكلمة دون ضَبْطٍ من خلال السِّياق.
ومن سِمات العربية أن تهجِّي الكلمة فيها موافقٌ للتلفُّظ بها، وهذه ميزة تمتاز بها العربية عن بعض اللغات الأوربية. وهي ظاهرة عامة في العربية، إلا في بعض الحالات القليلة، كنُطق ألف لا يُكتب في نحو: هَذَا، ولكنْ، وكتابة الألف الليِّنة على هيئة ياء، نحو: مَضَى الفَتَى.
4- الصرف:
تقوم الصِّيغ الصَّرفية في العربية على نظام الجِذْر، وهوثلاثي غالبًا، رباعي أحيانًا. ويُعبِّر الجِذْر - وهو شيء تجريدي - عن المعنى الأساسي للكلمة، ثمَّ يُحدَّد المعنى الدقيق للكلمة ووظيفتها بإضافة الحركات أو مقاطع من أحرف مُعيَّنة في صَدْر الكلمة أو وسطها أو آخرها.
وتُقسِّم العربية الاسم إلى جامد ومُشتقّ، ثم تُقسِّم الجامد إلى أسماء الذَّوات المادية مثل: شجرة، وأسماء المعاني مثل: قراءة، ومصادر الأسماء المشتقَّة مثل: قارئ، ومقروء. ولا تعرف العربية الأسماء المركَّبة إلا في كلمات نادرة تُعَبِّر عن الأعلام، مثل: "حَضَرَمَوْت" المركَّبة تركيبًا مَزْجيًّا، و"جاد الحقّ" المركَّبة تركيبًا إسناديًّا، إلا أن المضاف والمضاف إليه يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، يصل أحيانًا إلى حالة شبيهة بالتركيب، وخاصة في الأَعلام، مثل: عبد الله، وصلاح الدِّين.
وتتميَّز العربية عن لغات كثيرة بوجود صيغة للمُثنَّى فيها، وتنفرد هي والحبشية عن سائر اللغات السَّامية باستعمال جمع التَّكسير، فإلى جانب الجمع السَّالم الذي ينتهي بنهاية تَلْحَق الاسم، كما هي الحال في اللغات الأوربية، تصوغ هاتان اللغتان جمع التَّكسير بتغيير الاسم داخليًّا.
وتُصنِّف العربية أسماءها إلى مذكَّر ومؤنَّث، وتترك المذكَّر دون تمييزه بأيِّ علامة، وتميّز طائفة من الأسماء المؤنَّثة، إمَّا بالتَّاء مثل شجرة، وإمَّا بالألف المقصورة مثل ليلى، وإمَّا بالألف الممدودة مثل صحراء، ثم تترك الطائفة الأخرى من الأسماء المؤنَّثة دون علامة، مثل: شَمْس، ونَفْس.
5- النَّحو:
من خصائص درس النحو الإسناد، والإسناد هو نواة الجملة العربية، ويُمثِّل في ذاته جملةً بسيطة: اسميَّة أو فعليَّة. ويتكوَّن الإسناد إما من مبتدأ وخبر، وإما من فعل وفاعل أو نائب فاعل، ثم يمكن تنمية تلك الجملة البسيطة بالفضلات أو المكمِّلات المفردة.
ثم تتكوَّن الجملة المركَّبة من جملتين بسيطتين أو أكثر، ويتمُّ هذا بالربط بين الجمل البسيطة بأدوات معيَّنة أو بالضمائر، فتنشأ من ذلك الربط دلالاتٌ كالشَّرط أو الملابسة أو الوصفية أو العطف أو غيرها.
ويقوم الإسناد في الجملة الاسمية بغير رابط ممَّا يُسمَّى في اللغات الأوربية بأفعال الكينونة، وكذلك تقوم الإضافة دون رابط، ويُراعى أن يكون المضاف خاليًا من أداة التعريف. وحين يَدْخُل الاسم المُعرب في جملة فلا بُدَّ له أن يتَّخذ حالة من ثلاث حالات: إما أن يكون مُعرَّفًا بأل، أو مضافًا، أو مُنَوَّنًا.
ولا تجتمع حالتان من تلك الحالات في الاسم الواحد. وتعتمد العربية في تركيب الجملة على قرائن تُعين على تحديد المعنى، وتتمثَّل في العلامة الإعرابية، والبِنْية الصَّرفية، والمطابقة، والرُّتبة، والرَّبط، والأداة، والنَّغمة.
والعربية من اللغات السَّامية القليلة التي احتفظت بنظام الإعراب. ويستطيع مُجيد العربية أن يقرأ نصًّا غير مضبوط، وينطق العلامات الإعرابية نُطقًا صحيحًا، كما يستطيع من خلال ذلك أن يفهم النص فهمًا تامًّا.
والرُّتبة في العربية محفوظة (أي: واجبة)، وغير محفوظة (أي: جائزة)، وعُرفية. فالرُّتبة المحفوظةمثل: وجوب تقديم الفعل على الفاعل، والمضاف على المضاف إليه، والاسم الموصول على صلته، والمتبوع على التابع إلا في حالة العطف بالواو.
والرُّتبة غير المحفوظة متروكة لتصرُّف المتكلِّم حسب مقتضيات السِّياق، مثل رتبة الخبر، ورتبة المفعول به، ورتبة الحال، ورتبة المعطوف بالواو مع المعطوف عليه.
والرُّتبة العُرفية هي ما جرى عليه عُرْفُ العرب، ولا يُعَدُّ الخروج عنه خطأً نحويًّا، مثل تقديم الليل على النهار، وتقديم العاقل على غير العاقل، وتقديم الذَّكَر على الأنثى.
ومن أهم خصائص العربية ميلها إلى الإيجاز المعبِّر عن المعنى، وتلجأ في سبيل التعبير عن المعاني المختلفة ومناسبتها للمقام إلى وسائل، منها: التقديم والتأخير (وهو الرُّتبة غير المحفوظة)، والفَصْل والوَصْل، والحَذْف، والتَّأكيد، والقَصْر، والمجاز.
6- الخط العربي:
يحتلُّ الخطُّ العربيُّ مكانة فريدة بين خطوط اللغات الأخرى من حيث جماله الفنِّي وتنوُّع أشكاله، وهو مجالٌ خصب لإبداع الخطَّاطين، حيث بَرَعُوا في كتابة المصاحف، وتفنَّنوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زَيَّنوا بالخطوط جدران المساجد وسقوفها.
وقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط على مرِّ تاريخ العربية، والشَّائع منها الآن: خطوط النَّسخ والرُّقعة والثُّلُث والفارسيّ والدِّيواني، والكوفي والخطوط المغربية[1].
[1] انظر خالد بن سلطان بن عبد العزيز: موسوعة مقاتل من الصحراء، الإصدار التاسع 2008م، اللغات، ملحق اللغة العربية، الرابط:
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/MElmiah12/logat/mol15.doc_cvt.htm
تأثير اللغة العربية في اللغات الأخرى:
كان التكلم باللغةالعربيةقبل الفتح الإسلامي لا يتجاوز سكان الجزيرة العربية، إضافةً إلى أجزاء يسيرة من العراق والشام, ولكن ما إن امتد الفتح الإسلامي واتسع مدًى حتى حلّت اللغة العربية محل اللغات السائدة آنئذ؛ فلقد حلت محل الفارسية في العراق وبلاد فارس, والرومية بالشام، والقبطية بمصر, واللاتينية بالشمال الإفريقي.
يقول المستشرق رنان في كتابه (تاريخ اللغات السامية): "إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر, كما يعتبر من أصعب الأمور التي استعصى حلها؛ فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء, فبدت فجأة على غاية الكمال سلسة أية سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا أدنى تعديل مهم, فليس لها طفولة ولا شيخوخة...
ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة, ولا أدري هل وقع مثل ذلك للغة من لغات الأرض قبل أن تدخل في أدوار مختلفة... فإن العربية - ولا جدال - قد عمت أجزاء كبرى من العالم".
ذكر المستشرقان أنجلمان ودوزي في كتابهما (معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية) بأن الكلمات العربية الموجودة باللغة الإسبانية تعادل ربع كلمات اللغة الإسبانية, وأن باللغة البرتغالية ما يربو على ثلاثة آلاف كلمة عربية!
كما أبان المستشرق لامانس في كتابه (ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية) ما يربو على سبعمائة كلمة عربية دخلت اللغة الفرنسية. وقدم الأستاذ تيلور بحثًا عنوانه (الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية (Arabic Words In Inglish، ذاكرًا فيه ما يزيد على ألف كلمة عربية في الطب والكيمياء والفلك والبيولوجيا والجراحة دخلت اللغة الإنجليزية.
أما عن تأثير اللغة العربية في اللغة الإيطالية، فيقول رينالدي: "لقد ترك المسلمون عددًا عظيمًا من كلماتهم في اللغة الصقلية والإيطالية، وانتقل كثير من الكلمات الصقلية التي من أصل عربي إلى اللغة الإيطالية ثم تداخلت في اللغة العربية الفصحى.
ولم تكن الكلمات فقط هي التي دخلت إيطاليا، وإنما تسربت أيضًا بعض جداول من الدم العربي في الجالية العربية التي نقلها معه إلى مدينة لوشيرا, الملك فريدريك الثاني...
ولا يزال الجزء الأعظم منالكلمات العربية الباقية في لغتنا الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت اللغة بطريق المدنية لا بطريق الاستعمار... إن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية, يشهد بما كان للمدنية العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي"[1].
هذا ويكفي اللغة العربية شرفًا ومجدًا أنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم على خاتم المرسلين محمد r، فكان - وما زال - المعجزة الكبرى والآية العظمى.
[1] تأثير اللغة العربية في اللغات العالمية، الرابط:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=22827
الكاتب: د. راغب السرجاني
المصدر: موقع قصة الإسلام